فشل إسرائيل في غزة- كابوس "النصر الكامل" يتفاقم وخلافات داخلية وتراجع الدعم الغربي

المؤلف: مَاجد إبراهيم10.30.2025
فشل إسرائيل في غزة- كابوس "النصر الكامل" يتفاقم وخلافات داخلية وتراجع الدعم الغربي

في الرابع عشر من مايو/أيار، أحيا الكيان الإسرائيلي الذكرى السادسة والسبعين لقيامه، لكن هذه المرة، خيمت أجواء من الأسى والوجوم والسخط على الاحتفالات، وذلك على عكس سابقاتها. وتأتي هذه المشاعر في ظل اعترافات جلية من الأجهزة الأمنية بفشلها في تحقيق الغايات المرجوة من الحرب المستمرة.

الهدف الذي أعلنه نتنياهو، "النصر الكامل"، تحول إلى كابوس يقض مضاجع الاحتلال. فجيشه يشن هجمات متجددة على رفح، ويعود لمهاجمة مناطق زعم سابقًا أنه قد انتهى من تطهيرها! هذا في الوقت الذي تشتعل فيه الجبهة الشمالية مع حزب الله، ويضاعف الحوثيون من ملاحقتهم للسفن المتجهة نحو الكيان!

هبت رياح الخلافات العاصفة على الائتلاف الحاكم حول خطة المرحلة اللاحقة للحرب، فيما اصطدم نتنياهو بالنهج الأميركي الذي يسعى إلى تقييد مسار العدوان. لقد خسرت إسرائيل صورتها في هذه الحرب، وتتخوف قيادات الكيان من إمكانية إدانتهم وملاحقتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية!

فشل ذريع

بعد مرور ما يربو على سبعة أشهر من الحرب الشعواء التي تشنها قوات الاحتلال على غزة، يتجلى بوضوح أن الاحتلال قد أخفق في تحقيق أهدافه المُعلنة، والمتمثلة في القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى بالقوة. هذا ما أكده قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنفسهم، الذين أجمعوا في اجتماع عُقد قبل أيام على أن الحرب في غزة قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل "فقدت ميزتين جوهريتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي، ووحدة الصف الداخلي".

على الرغم من إصرار نتنياهو على الحديث عن النصر الكامل، إلا أن الوقائع على الأرض تفند مزاعمه بشكل قاطع. أكبر دليل على ذلك هو اضطرار جيش الاحتلال للعودة إلى مناطق جباليا وحي الزيتون - بعد أن أعلن سابقًا عن تفكيك كتائب حماس فيها - ليواجه مقاومة شرسة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوفه.

نحن بحاجة هنا لتأكيد ما نقول من خلال الاستعانة بشهادات إسرائيلية عديدة تؤكد الهزيمة التي يتجرعها جيش الاحتلال في غزة.

في تقييم للرئيس الأسبق لجهاز "الشاباك"، يعقوب بيري، في صحيفة معاريف، يقول: "اليوم، يبدو أن عدونا المرير والقاسي يسيطر على زمام المبادرة على نحو أفضل بكثير، ونحن من نرقص على أنغامه وليس العكس. يحيى السنوار يتحكم في الأمور بطريقة أكثر موثوقية وأمانًا، ونحن نتبعه دون خيار". ويضيف بيري: "كل شيء مقلوب، غريب، وقبل كل شيء غير مفهوم. وضع مُحبط وكئيب، وفوق كل شيء؛ بلا مخرج ولا أي حلّ".

ورغم محاولة بيري وغيره حصر المشكلة في شخص نتنياهو، فإن الحقيقة المرة هي أن الأمر يتعلق بفشل جيش بأكمله، استخدم كل الأساليب المتاحة، وعلى رأسها اقتراف المجازر بحق المدنيين العزل، واستخدم سياسة التجويع والتهجير القسري، دون أن يتمكن من تحقيق أي إنجاز عسكري حقيقي ضد المقاومة، رغم نجاحه في إحداث كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

نورد هنا تعليق الكاتب يوآف ليمور في "يديعوت أحرونوت" على هذا الوضع المتردي بالقول: "غزة لم تُهزم بعد ولن تهزم تمامًا، حتى لو تمكنّا من هزيمة الكتائب الأربع المتبقية في رفح، فإنه من المشكوك فيه في كلّ الأحوال أن تؤدي العملية المخطط لها في رفح إلى ذلك".

أزمة طاحنة

وعلاوة على ذلك، نشب خلاف داخلي ذو أبعاد متعددة، ولكن ذلك ارتبط إلى حد كبير بالإخفاقات الميدانية والعسكرية المتلاحقة. وسط تأكيدات عسكرية وتقارير استخباراتية أميركية، تفيد بأن حماس لم تفقد منظومة القيادة والسيطرة، وأن خلاياها لا تزال تعمل في جميع مناطق القطاع، فضلًا عن النجاح المحدود الذي حققه الاحتلال في تدمير الأنفاق، التي تشير التقديرات إلى أن طولها الإجمالي يزيد عن 500 كيلومتر (في حين أن مساحة قطاع غزة تبلغ 360 كيلومترًا مربعًا فقط).

لقد تعرض نتنياهو لانتقادات لاذعة بسبب إصراره المستميت على الاستمرار في الحرب وَفق مصطلح "النصر الكامل"، وقيامه بالتّعطيل المتعمد للتوصل لاتّفاق تبادل أسرى مع المقاومة؛ لأنه يدرك تمام الإدراك أن مجرد توقف الحرب لأسابيع معدودة سيعرض مستقبله السياسي للخطر الداهم، ويدفع به إلى قاعات المحاكم بتهم الفساد والفشل الذريع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

على الرغم من تردد غانتس وآيزنكوت في اتخاذ موقف حازم من نتنياهو، فقد كانت مواقف رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك واضحة وجلية، فضلًا عن الانتقادات المستمرة من رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، وآخرها ما قاله في مقال نُشر في صحيفة "هآرتس": إن الحرب على غزة قد انتهت فعليًا قبل ثلاثة أشهر، ولا يوجد أي مبرر للادّعاء باستمرارها، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لا يمكن استعادة الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال إنهاء الحرب بشكل كامل، واصفًا من يتصور خلاف ذلك بأنه "واهم" يعيش في عالم من الأوهام.

أما الخلاف الآخر، والذي يرتبط أيضًا بالفشل الميداني المتفاقم، فهو خطة ما بعد الحرب، حيث رفضت حكومة نتنياهو بإصرار أيّ دور للسلطة الفلسطينية في غزة، وأصرت في المقابل على استخدام أشخاص غير مرتبطين بها، فضلا عن محاولاتها الحثيثة لاستمالة بعض العائلات، بيد أنها باءت بالفشل الذريع في المسعيَين.

ورغم أنّها وافقت على أدوار محدودة لدول عربية، ولو بشكل مؤقت، فإنّ ذلك قُوبل بالرفض القاطع من جانب كل من مصر والأردن والإمارات، حيث ربطت هذه الدول أيّ دور لها بانسحاب قوّات الاحتلال بشكل كامل من قطاع غزّة، وضمن إطار حلّ سياسي شامل تكون السلطة الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ منه.

يحاول نتنياهو من خلال هذا الموقف إرضاء شريكَيه اليمينيَين المتطرفَين (بن غفير وسموتريتش)، الأمر الذي يشعل فتيل الخلافَ مع بقية الشركاء الحكوميين، ومع الولايات المتحدة التي طالبت بسلطة فلسطينية مُحسّنة، وفي إطار طرح حلّ الدولتين الذي رفضته حكومة الاحتلال المتطرفة أيضًا.

وفي هذا السياق، نستحضر رأي الكاتب الأكثر شهرةً في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، والذي يقول: "من الصعب أن نرى القوة التي ستنشأ، وتحظى بتأييد جماهيري داخلي، بدون أن تقاتلها حماس. أما خيار السلطة الفلسطينية، فهو سيِّئ هو الآخر. استطلاعات الرأي في الضفة تشير للتأييد الكبير لمذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزالون في جهاز الأمن يقولون إن هذين الخيارين أقل سوءًا من الوضع القائم، الذي من غير الصواب أن يبقى أكثر من ذلك، إذ إنه يسحق إنجازات الجيش الإسرائيلي حتى الآن".

ولكن مسألة اليوم التالي لحماس لا يمكن أن يتاح لها التنفيذ على أرض الواقع إلا في حالة واحدة فقط، وهي القضاء التام على حركة حماس، وهذا ما ثبت عمليًا أنه من المستحيل تحقيقه؛ لأن حماس هي تنظيم متجذّر بعمق داخل الأرض الفلسطينية وخارجها، ولأنّها استطاعت حتى الآن إفشال جميع مخططات الاحتلال الرامية إلى اقتلاعها، من خلال صمود كوادرها العسكريّة الباسلة، وانتشار الكوادر المدنية التي تمنع أي قوّة مهما بلغت من أن تحلّ محلها.

وفي المقابل، فإن حماس أعلنت مرارًا وتكرارًا أنها سترحب بالشراكة الوطنية، بل وربما تتخلى عن الحكم المباشر لصالح حكومة كفاءات وطنية، شريطة أن تكون نتيجة توافق وطني شامل، وليست نتيجة ضغوط وإملاءات الاحتلال الغاشم.

وقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين رفيعي المستوى، أنّه "بعد سبعة شهور من القتال الضاري، أصبح بقاء السنوار على قيد الحياة رمزًا صارخًا لفشل الحرب الإسرائيلية، التي دمرت جزءًا كبيرًا من غزة، لكنها تركت قيادة حماس العليا سليمة معافاة، وفشلت فشلًا ذريعًا في تحرير معظم الرهائن"!

تخلخل الغطاء الغربي

غير أنّ أخطر تداعيات هذه الحرب العدوانية، هو انقلاب التأييد الغربي الأعمى للحرب التي شنها الكيان الغاصب بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتحوله إلى النقيض تمامًا، وذلك بسبب حجم الإجرام الصهيوني المتزايد، وتركيز الاحتلال المتعمد على استهداف المدنيين الأبرياء بالقتل والتجويع والحصار، لدرجة أنّ معظم الدول الحليفة لأميركا بدأت تطالب بشكل صريح بوقف فوري لإطلاق النار، مثل: بريطانيا وفرنسا وكندا.

كما اضطرت الولايات المتحدة الأميركية في العشرين من شهر فبراير/شباط الماضي، إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لعدم تمرير مشروع قرار جزائري في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وذلك على الرغم من موافقة ثلاثة عشر عضوًا عليه، وامتناع بريطانيا فقط عن التصويت.

ولكن واشنطن امتنعت بعد نحو شهر من ذلك عن استخدام حق النقض (الفيتو)؛ لتمرير قرار آخر يدعو إلى وقف إطلاق النار (غير دائم)، وذلك بهدف ممارسة ضغط دبلوماسي ناعم على الكيان الغاصب، لحمله على التعاطي بإيجابية مع مساعيها الحميدة مع الوسطاء، لترتيب وقف شامل لإطلاق النار.

ورغم أن الولايات المتحدة قدّمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا شاملًا للعدوان الصهيوني الغاشم، فإن الطريقة التي أدار بها نتنياهو وحكومته المتطرفة هذه المعركة، قد أضرت بشكل كبير بموقف بايدن الانتخابي المتعثر، بعد أن فاقت الممارسات النازية للاحتلال كل الحدود، ما أدى إلى تصاعد المطالبات من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن، بتقييد الدعم العسكري اللامحدود المقدم للاحتلال؛ لإجباره على الالتزام بأحكام القانون الدولي في التعامل مع المدنيين الأبرياء، كما انخفضت بشكل ملحوظ نسبة المسلمين المؤيدين للرئيس الأميركي في بعض الولايات المتأرجحة، بما شكّل ويشكّل تهديدًا حقيقيًا لفرصه المتضائلة في الانتخابات الرئاسية المتوقعة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.

وقد وصلت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى قناعة راسخة بفشل الاحتلال الذريع في مهمة القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، ضمن مهل زمنية محددة، مدَّدتها الإدارة الأميركية مرارًا وتكرارًا، بما يسمح بإحلال وقف مستدام لإطلاق النار، يهيئ الأجواء المناسبة لعملية التطبيع الشاملة في المنطقة، وهو الملفّ الذي يريد بايدن أن يحمله كرافعة قوية له في الانتخابات المقبلة، ويرفضه نتنياهو بالمقابل رفضًا قاطعًا.

وفيما لا تزال هذه الخلافات قائمة ومستمرة، فإن نتنياهو يفشل فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافه المعلنة، وإن كان مستمرًا في سياسة التصعيد الخطيرة في قطاع غزة، وهو ما يؤجل بشكل كبير إمكانية الوصول إلى صفقة تبادل أسرى، إلى حين انتهاء مهمّة جيش الاحتلال في رفح وجباليا والزيتون وغيرها من المناطق.

وسيُبقي ذلك العلاقات المتوترة مع الولايات المتّحدة على صفيح ساخن، دون أن يكون هناك احتمالٌ حقيقيّ لممارسة إدارة بايدن أيَّ ضغط حقيقيّ على الكيان الغاصب، أو اتخاذ إجراءات ملموسة بحظر أنواع محددة من الأسلحة الفتاكة عنه.

لا نصرَ لنتنياهو

والخلاصة النهائية هي أن حركة حماس لا تزال تحتفظ بموقع قوة ميدانيًا، ولديها القدرة على التمسك بمطالبها العادلة، التي تتمثل في وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال، وتوفير الإغاثة العاجلة، وإعادة الإعمار الشامل، فيما لم يحقق الاحتلال المتعطش للدماء النصر الزائف الذي كان يصبو إليه، ويستطيع من خلاله ممارسة ضغوط كبيرة على المقاومة الباسلة، لدفعها إلى تقديم تنازلات مجحفة.

وقد يؤدي تنفيذ مجازر فلسطينية جديدة وحشية إلى تداعيات سلبية وخيمة على الكيان الغاصب، بما في ذلك تفعيل الأوامر الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين كبار من الكيان، وعلى رأسهم نتنياهو نفسه، وكذلك تفعيل طلب وقف فوري لإطلاق النار، ووقف الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من قِبل محكمة العدل الدولية، وتأجيج ما يمكن تسميته بانتفاضة الجامعات الأميركيّة المتصاعدة.

بل إن ذلك قد يزيد من تعقيد العلاقة المتوترة مع الإدارة الأميركية، لأنه قد يثير مخاوف جدية من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، بتصعيد المواجهات العسكرية في الشمال، ومع الحوثيين في اليمن، وهو الأمر الذي يتعارض بشكل صارخ مع السياسة الأميركية المعلنة، التي تريد الهدوء والاستقرار في المنطقة، للتفرّغ لمواجهة التحديات المتزايدة من جانب كل من الصين وروسيا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة